Libyan flag flutters outside an oil refinery in Zawiya on September 23, 2011

Leon Neal /AFP via Getty Images

يكشف تقريرنا الجديد كيف يبدو أن ليبيا تخسر ملايين الدولارات سنويا بالإحتيال في استعمال منظومة الاعتمادات المستندية المسيرة من طرف مصرف ليبيا المركزي. في حين أن منظومة الإعتمادات المستندية يمثل عنصرا حيويا في تلبية احتياجات ليبيا من الواردات، فقد عانت من سوء إستعمال الذي لا يزال في إستمرار حسب ما تشير إليه أدلتنا الجديدة. العديد من صفقات الإعتمادات المستندية ‏تمر عبر المصارف المراسلة في قلب الحي المالي في لندن ونظرا للنقائص الموجودة في قوانين محاربة تبييض الأموال، تركت المملكة المتحدة ونظامها المصرفي مفتوحا على مصراعيه للجرائم المالية.

بناءً على المعلومات المالية التي نشرها مصرف ليبيا المركزي على  الفيسبوك أنشأنا قاعدة بيانات وتحتوي على صفقات إعتمادات مستندية نشرت ما بين شهري أفريل وجويلية 2020 والتي تقارب قيمتها 2.5 مليار دولار. بالإضافة إلى الاستناد بمقابلات أجريت مع مصادر سرية ، نتساءل كيف تصرف ليبيا أموال الإعتمادات المستندية، كيف أثرت هذه المنظومة  على توازن القوى بين المؤسسات الليبية وما إذا كانت العناية الواجبة لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب لدى المصارف المراسلة في المملكة المتحدة قوية بما فيه الكفاية للتفريق بين الإعتمادات المستندية الحقيقية والعائدات المتأتية من الجريمة.

إطلع على قاعدة البيانات القابلة للبحث هنا

إلى غاية نوفمبر 2020 كان مطلوبا من المستوردين استعمال منظومة الإعتمادات المستندية، وإدراج شركة أو كيان في قاعدة بيانات. وتجدر الإشارة أن هذا ليس بأي حال من الأحوال إتهاما بإرتكاب أي نوع من الأفعال أو السلوكيات غير المشروعة أو المشتبه فيها. ومع ذلك، فإن قاعدة البيانات تتيح أنواعا من التحليلات التي لم تكن متاحة للعامة من قبل بحيث تظهر – في مجملها – تركيزات غير مرجحة للإعتمادات المستندية حول مواقع وسلع معينة.

أهم الإستنتاجات

  • يشير العدد الضخم في إصدار الإعتمادات المستندية بشهادة مصادرنا إلى جريمة مالية سارية في منظومة الإعتمادات المستندية والتي تكلف الكثير للخزينة العامة الليبية. وتيرة إصدار الإعتمادات المستندية بين شهري أفريل وجويلية 2020 فاقت بشكل غير مسبوق الطلب على بعض السلع.  فعلى سبيل المثال قيمة الإعتمادات المستندية المعتمدة لاستيراد اللحم على مدار 13 أسبوع فاقت القيمة السنوية لاستيراد اللحم إلى ليبيا لكل من سنة 2016 ،2017 و2018 كل على حدة.
  • تمتد التساؤلات حول تسيير الإعتمادات المستندية إلى المشتريات الحكومية حيث تقصينا كيف حول إعتماد مستندي لمولدات طاقة بقيمة 110 مليون دولار إلى شركة إماراتية لا صلة لها بالمشروع عن طريق تغيير طفيف في اسم الشركة المتعاقدة. شرع في تسديد المبلغ عبر مصرف مملوك لليبيا في لندن قبل ان يوقف الإعتماد المستندي "للإشتباه في وجود فساد".
  • يتولى مسؤولون كبار في مصرف ليبيا المركزي مناصب إدارية في مصارف تجارية مملوكة من طرف ليبيا في الخارج، ما يعد تضارب صريح في المصالح. معظم الإعتمادات المستندية الليبية تدخل النظام المالي الدولي عن طريق مصرف International PLC ABC الذي مقره في لندن وهو مصرف تجاري مملوك بشكل غير مباشر من طرف مصرف ليبيا المركزي ويرأسه محافظه الصادق الكبير.
  • نكشف على ثغرات خطيرة في القوانين البريطانية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب بخصوص "المصارف المراسلة" مما تجعلها غير فعالة في تحديد الإحتيال في مجال تمويل التجارة، تمويل النزاعات وغيرها من أنواع الجرائم المالية.

إحتيالات مستمرة في إصدار الإعتمادات المستندية للقطاع الخاص

بإستعمال تقنيات التحقيق مفتوحة المصدر، أنشأنا قاعدة بيانات قابلة للبحث للإعتمادات المستندية الصادرة لصالح القطاع الخاص والتي تقارب قيمتها 2.5 مليار دولار في الفترة ما بين شهري أفريل وجويلية 2020 وبمقارنتها بالبيانات التجارية للسنوات السابقة، نرى أن أموال الخزينة الليبية تتدفق إلى الخارج بشكل أسرع من دخول السلع المعنية. التفسير الأقرب من الحقيقة هو إستمرار الإستعمال السيء للمنظومة على نطاق واسع وبتكلفة معتبرة للخزينة العامة الليبية.

إطلع على قاعدة البيانات القابلة للبحث هنا

ننشر قاعدة البيانات كوسيلة لتحليل تحركات الأموال عن طريق الإعتمادات المستندية على أمل أن تساعد مجموعات المجتمع المدني الليبي، الصحافيين والمواطنين لتعقب أثار المال العام ولإظهار الإمكانات الهائلة للشفافية، إذا استندت ليبيا إلى عمليات النشر التي قام بها مصرف ليبيا المركزي بجعل نشر بيانات الإعتمادات المستندية علنية بشكل كامل وفقا لمبادئ البيانات المفتوحة.  

الإعتمادات المستندية للقطاع العام تضع المال العام في أيدي الخواص

توضح الوثائق التي تطلعت عليها جلوبال ويتنس (Global Witness)  كيف لإعتماد مستندي لمولدات كهربائية بقيمة 110 مليون دولار كان الغرض منها تلبية الإحتياجات الحيوية من الطاقة للشعب الليبي تم تحويلها إلى شركة إماراتية حديثة التأسيس تحمل إسم شبه مطابق للمتعاقد الأصلي الأمريكي-جنوب إفريقي. ولا توضح هذه الحالة ضعف منظومة الإعتمادات المستندية فحسب، بل تبين كيف أن السيطرة على العملة الأجنبية لليبيا قد أعطت لمصرف ليبيا المركزي تأثيرا كبيرا على كيفية إنفاق السلطات العمومية للمال العام.

ولهذا أيضا صلة أوسع بالرقابة والمساءلة للمصارف المركزية على الصعيد العالمي، مع ظهور ضوابط رأس المال والصرف من جديد، وعمليات إنقاض القطاع المالي والإنفاق على جائحة COVID-19 مما أدى إلى تضخم ملحوظ في كشوف حساباتها وإتساع نطاق عملها في العديد من البلدان.  عالميا، المصارف المركزية تضع مبالغ أكبر من أي وقت مضى من المال العام في أيدي القطاع الخاص ويحق للمواطنين معرفة كيف يصرف المال العام.

كيف تدخل أموال الإعتمادات المستندية منظومة تحويلات دولية عبر لندن

يمتلك مصرف ليبيا المركزي شبكة من "مصارف مراسلة" تجارية تمتد عبر خمس قارات. ويبدو أن الوسيط الرئيسي للإعتمادات المستندية هو مصرف ABC حيث يمتلك مصرف ليبيا المركزي بصورة غير مباشرة الأغلبية فيه والذي مقره في لندن ورئيسه ليس سوى محافظ مصرف ليبيا المركزي صادق الكبير نفسه.

تعتبر جلوبال ويتنس (Global Witness)  هذا الدور المزدوج تضاربا صارخا في المصالح، على أساس أنه منصب قيادي مدفوع الأجر في مؤسسة تستفيد من تعاملاتها مع مصرف ليبيا المركزي. ويثير أيضا هذا الترتيب تساؤلات حول استقلالية مصرف ABC فيما يخص العناية الواجبة عند معالجة الإعتمادات المستندية الليبية.

وقد رفض مصرف ABC مخاوفنا وأصرعلى "أنه يأخذ التزاماته المتعلقة بمكافحة الجريمة المالية بجدية بالغة ويحرص على الإمتثال للشروط التنظيمية الواجبة التطبيق ولأفضل الممارسات الدولية". نحن لا نلمح أن مصرف ABC قد أخل بأي قوانين أو لوائح تتعلق بهذه المسائل وقد أعدنا طبع بيان مصرف ABC بالكامل في الجزء الثالث من هذا التقرير.

توصيات

  1. يجب على السلطات العمومية في ليبيا أن تضع الشفافية المالية في قلب حوارات السلام، بدءا من منظومة صرف العملات الأجنبية مثل الإعتمادات المستندية. وهذا أمر أساسي يساعد في بناء الثقة في المؤسسات العمومية في هذه اللحظة المحورية للبلد.
  2. ينبغي أن يقترن دور المصارف المركزية المتزايد عالميا في الصرف المباشر للأموال بزيادة المساءلة والرقابة على إدارتها للمال العام.
  3. هناك حاجة ماسة لمعايير أكثر صرامة حول العناية الواجبة ومكافحة تبييض الأموال لدى المصارف المراسلة. وتقع هذه المسؤولية على عاتق المملكة المتحدة والإتحاد الأوروبي وغيرهما من المنافذ إلى النظام المالي الدولي.